ظهور الإنسان في شعار الموجودات وتخصيصه بقوة شيء فشيء منها ذات الإنسان من حيث ما اجتمع فيه قوى الموجودات صار وعاء معاني العالم وطينة صوره ومعدن آثاره ومجمع حقائقه، وكأنه مركب من جمادات ونباتات وبهائم وسباع وشياطين وملائكة، ولذلك قد يظهر في شعار كل واحد من ذلك فيجري تارة مجرى الجمادات في الكسل وقلة التحرك والإنبعاث، وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: )ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدُّ قسوة( وقد يظهر في شعار النباتات الحميدة أو الذميمة فيصير إِما كالأُترج الذي يطيب حمله ونَوْره وعوده وورقه أو كالنخل والكرم فيما يؤتي من النفع، أو كالكشوث في عدم الخير، أو كالحنظل في خبث المذاق، وعلى هذا نبه الله تعالى بقوله: )مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كلَّ حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجْتُثَّت من فوق الأرض ما لها من قرار(. ويظهر تارة في شعار الحيوانات المحمودة والمذمومة، فيصير أما كالنحل في كثرة منافعه وقلة مضاره وفي حسن سياسته. قال الله تعالى: )وأَوحى ربك إلى النحل أَن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون( أو كالطير المسمى بأبي الوفا، أو كالخنزير في الشره، أو كالذئب في العيث، أو كالكلب في الحرص، أو كالنمل في الجمع، أو كالفأر في السرقة، أو كالثعلب في المراوغة، أو كالقرد في المحاكاة، أو كالحمار في البلادة، أو كالثور في الفظاظة، وعلى هذا النحو من المشابهات دلَّ الله بقوله: )وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أُمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ ثم إلى ربهم يحشرون( ويظهر تارة في شعار الشياطين فيغوي ويضل ويسول بالباطل في صورة الحق كما دل الله تعالى بقوله: )شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا( وإنما يكون إنساناً إذا وضع كل واحد من هذه الأشياء في موضعه حسب ما يقتضيه العقل المرتضي المستبصر بنور الشرع.