عبد الله بن رواحة الأنصاري :
الأَمِيْرُ، السَّعِيْدُ ، الشَّهِيْدُ ، أَبُو عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ ، البَدْرِيُّ ، النَّقِيْبُ ، الشَّاعِرُ .
يُكْنَى: أَبَا مُحَمَّدٍ ، وَأَبَا رَوَاحَةَ ، وَلَيْسَ لَهُ عَقِبٌ .
وَهُوَ خَالُ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيْرٍ .
وَكَانَ مِنْ كُتَّابِ الأَنْصَارِ .
بَعَثَهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - سَرِيَّةً فِي ثَلاَثِيْنَ رَاكِباً ، إِلَى أُسَيْرِ بنِ رِزَامٍ اليَهُوْدِيِّ بِخَيْبَرَ ، فَقَتَلَهُ .
قَالَ الوَاقِدِيُّ : وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَارِصاً عَلَى خَيْبَرَ .
قَالَ قُتَيْبَةُ : ابْنُ رَوَاحَةَ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ أَخَوَانِ لأُمٍّ .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى : أَنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَخْطُبُ ، فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُوْلُ : (اجْلِسُوا) .
فَجَلَسَ مَكَانَهُ خَارِجَ المَسْجِدِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ( زَادَكَ اللهُ حِرْصاً عَلَى طَوَاعِيَةِ اللهِ وَرَسُوْلِهِ ) .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: إِنْ كُنَّا لَنَكُوْنُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ فِي اليَوْمِ الحَارِّ مَا فِي القَوْمِ أَحَدٌ صَائِمٌ إِلاَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ .
قَالَ ابْنُ سِيْرِيْنَ : كَانَ شُعَرَاءُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَبْدَ اللهِ بنَ رَوَاحَةَ ، وَحَسَّانَ بنَ ثَابِتٍ ، وَكَعْبَ بنَ مَالِكٍ .
كَانَ حَسَّان ؛ وَكَعْبٌ يُعَارِضَانِ المُشْرِكِيْنَ بِمِثْلِ قَوْلِهِم بِالوَقَائِعِ ، وَالأَيَّامِ ، وَالمَآثِرِ ، وَكَانَ ابْنُ رَوَاحَةَ يُعَيِّرُهُم بِالكُفْرِ ، وَيَنْسِبُهُم إِلَيْهِ ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفَقِهُوا كَانَ أَشدَّ عَلَيْهِم .
لَمَّا جَهَّزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مُؤْتَةَ الأُمَرَاءَ الثَّلاَثَةَ، فَقَالَ: (الأَمِيْرُ زَيْدٌ، فَإِنْ أُصِيْبَ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ أُصِيْبَ فَابْنُ رَوَاحَةَ ) .
فَلَمَّا قُتِلاَ، كَرِهَ ابْنُ رَوَاحَةَ الإِقْدَامَ، فَقَالَ:
أَقْسَمْتُ يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنَّـــهْ ... طَائِعَــــــــةً أَوْ لاَ لَتُكْرَهِنَّـــــــهْ
فَطَالَمَا قَدْ كُنْتِ مُطْمَئِنَّهْ ... مَا لِي أَرَاكِ تَكْرَهِيْنَ الجَنَّهْ
فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ: مَرَرْتُ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَقُوْلُ الشِّعْرَ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَقُوْلَ؟) .
قُلْتُ: أَنْظُرُ فِي ذَاكَ، ثُمَّ أَقُوْلُ.
قَالَ: (فَعَلَيْكَ بِالمُشْرِكِيْنَ) .
ولَمْ أَكُنْ هَيَّأْتُ شَيْئاً، ثُمَّ قُلْتُ :
فَخَبِّرُوْنِي أَثْمَانَ العَبَاءِ مَتَى ... كُنْتُمْ بَطَارِقَ أَوْ دَانَتْ لَكُم مُضَرُ؟
فَرَأَيْتُهُ قَدْ كَرِهَ هَذَا أَنْ جَعَلْتُ قَوْمَهُ أَثْمَانَ العَبَاءِ ، فَقُلْتُ :
يَا هَاشِمَ الخَيْرِ، إِنَّ اللهَ فَضَّلَكُمْ ... عَلَى البَرِيِّةِ فَضْلاً مَا لَـــــهُ غِيْـــــرُ
إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيْكَ الخَيْرَ أَعْرِفُهُ ... فِرَاسَةً خَالَفَتْهُم فِي الَّذِي نَظَرُوا
وَلَوْ سَأَلْتَ إِنْ اسْتَنْصَرْتَ بَعْضَهُمُ ... فِي حِلِّ أَمْرِكَ مَا آوَوْا وَلاَ نَصَرُوا
فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيْتَ مُوْسَى وَنَصْراً كَالَّذِي نُصِرُوا
فَأَقْبَلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَجْهِهِ مُسْتَبْشِراً، وَقَالَ: (وَإِيَّاكَ فَثَبَّتَ اللهُ) أخرجه ابن سعد ، وابن هشام .
عَنْ أَنَس، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ القَضَاءِ، وَابْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُوْلُ :
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيْلِهِ ... اليَوْمَ نَضْرِبْكُم عَلَى تَنْزِيْلِهِ
ضَرْباً يُزِيْلُ الهَامَ عَنْ مَقِيْلِـــهِ ... وَيُذْهِلُ الخَلِيْلَ عَنْ خَلِيْلِــهِ
فَقَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ! فِي حَرَمِ اللهِ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُوْلِ اللهِ تَقُوْلُ الشِّعْرَ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (خَلِّ يَا عُمَرُ، فَهُوَ أَسْرَعُ فِيْهِم مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) .
وَفِي لَفْظٍ: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَلاَمُهُ عَلَيْهِم أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ) رواه الترمذي .
قال المرزباني في «معجم الشعراء» : (كان عظيم القدر في الجاهلية والإسلام، وكان يناقض قيس بن الخطيم في حروبهم، ومن أحسن ما مدح به النّبيّ صلى الله عليه وسلم قوله:
لو لم تكن فيه آيات مبينة ... كانت بديهته تنبيك بالخبر
قال حسّان بن ثابت - رضي الله عنه- يبكي جعفرا وصاحبيه:
تأوّبني ليل بيثرب أعسر ... وهمّ إذا ما نوّم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيّجت ثمّ عبرة ... سفوحا وأسباب البكاء التذكر
بلاء وفقدان الحبيب بليّة ... وكم من كريم يبتلى ثمّ يصبر
رأيت خيار المؤمنين تواردوا ... شعوب وقد خلّفت فيمن يؤخّر
فلا يبعدنّ الله قتلى تتابعوا ... بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبد الله حين تتابعوا ... جميعا وأسباب المنيّة تخطر
غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم ... إلى الموت ميمون النّقيبة أزهر
أغرّ كلون البدر من آل هاشم ... أبيّ إذا سيم الظّلامة مجسر
فطاعن حتى مات غير موسّد ... بمعترك فيه القنا يتكسّر
فصار مع المستشهدين ثوابه ... جنان وملتفّ الحدائق أخضر
وكنا نرى في جعفر من محمّد ... وفاء وأمرا حازما حين يأمر
فما زال في الإسلام في آل هاشم ... دعائم عزّ لا ترام ومفخر
هم جبل الإسلام والناس حوله ... رضام إلى طود يروق ويقهر
بهم تكشف الّلأواء في كل مأزق ... عماس إذا ما ضاق بالقوم مصدر
هم أولياء الله أنزل حكمه ... عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهّر
بهاليل منهم جعفر وابن أمّه ... عليّ ومنهم أحمد المتخيّر
وحمزة والعباس منهم ومنهم ... عقيل وماء العود من حيث يعصر
استشهد رضي الله عنه في غزوة مؤتة سنة 8 هـ
من شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه :
تَذَكّرَ بَعْدَمَا شَطّتْ نُجودَا، ... وَكَانَتْ تَيّمَتْ قَلبي وَلِيدَا
كَذِي داءٍ غَدَا في النّاسِ يمشي، ... وَيَكْتُمُ داءَهُ زَمَناً عَمِيدَا
تَصَيَّدُ عَوْرَةَ الفِتْيَانِ حتى ... تَصِيدَهُمُ، وَتَشْنَا أَن تَصِيدَا
فَقَدْ صَادَتْ فؤادَكَ يَوْمَ أَبْدَتْ ... أَسيلاً خَدَّها، صَلْتاً، وَجِيدَا
تُزَيِّنُ مَعْقِدَ اللّبّاتِ منها، ... شُنوفٌ في القَلائِدِ، والفَرِيدَا
فإنْ تَضْنُنْ عَلَيْكَ بِمَا لَدَيْهَا، ... وَتَقْلِبْ وَصْلَ نَائِلِها، جَدِيدَا
لَعَمْرُكَ ما يُوَافِقُني خَلِيلٌ، ... إذا ما كانَ ذَا خُلْفٍ كَنُودَا
وَقَدْ عَلِمَ القَبَائِلُ، غَيْرَ فَخْرٍ، ... إذا لم تُلْفَ ماثِلَةً رَكُودَا
بِأَنّا تَخْرُجُ الشّتَواتُ مِنّا ... إذا ما استحكمتْ، حَسَباً وجُودَا
قَدُورٌ تَغْرَقُ الأوصالُ فيها، ... خَضيبٌ لَوْنُها بِيضاً وَسُودَا
مَتَى ما تَأْتِ يَثْرِبَ، أَو تَزُرْها ... تَجدْنا نَحْنُ أَكْرَمَهَا وُجُودَا
وَأَغْلظَها على الأعداءِ رُكْناً، ... وَأَلْيَنَها لباغي الخَيْرِ عُودَا
وَأَخْطَبَهَا، إذا اجْتَمَعُوا لأَمِرٍ، ... وَأَقْصَدَهَا، وَأَوْفَاهَا عُهُودَا
إذا نُدْعَى لثأْرٍ أو لجارٍ، ... فَنَحْنُ الأكثَرُونَ بها عَدِيدَا
مَتَى مَا تَدْعُ في جَشْمِ بنِ عَوْفٍ ... تَجِدْنِي لا أَغَمَّ، ولا وحيدَا
وَحَوْلِي جَمْعُ سَاعِدَةَ بنِ عَمرٍو، ... وَتَيْمُ اللاّتِ قَدْ لِبِسوا الحَدِيدَا
زَعَمْتُمْ أنما نِلْتُمْ مُلوكاً، ... وَنَزْعُمُ أنما نِلْنَا عَبِيدَا
وَمَا نَبْغِي مِنَ الأحْلاَفِ وَتَراً، ... وَقَدْ نِلْنَا المُسَوَّدَ والمَسُودَا
وَكَانَ نِساءكُمْ في كلّ دارٍ، ... يُهَرِّشنَ المَعَاصِمَ والخُدُودَا
تَرَكْنَا جُحَجَبَى كَبَنَاتِ فَقْعٍ، ... وَغَوْغَا في مَجَالِسِها قُعُودَا
وَرَهْطَ أَبي أُمَيّةَ قَدْ أَبَحْنَا، ... وَأَوْسَ اللَّهِ أَتْبَعَنَا ثَمُودَا
وَكُنْتُمْ تَدّعُونَ يَهُود مالاً ... أَلاَنَ وَجَدْتُمُ فِيهَا يَهُودَا
وَقَدْ رَدّوا الغَنَائِمَ في طَرِيفٍ ... وَنَحَّامٍ وَرَهْطِ أَبِي يَزِيدَا
المصدر : سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، وكتاب جمهرة أشعار العرب لأبي زيد القرشي